15 - 05 - 2025

عاصفة بوح| حزام عفة للعقل

عاصفة بوح| حزام عفة للعقل

فى أزمنة الانحطاط، كان من عادة المحاربين قبل ذهابهم للقتال لشهور طويلة أن يتاكدوا من إخلاص زوجاتهم، فقادتهم مخليتهم المريضة إلى اختراع ما سمي بحزام العفة، ليسيطروا على عفة زوجاتهم، ليس بالثقة والحب، إنما بالمنع المادى للشهوة، ليثقوا من عدم قدرة الزوجات على خيانتهم لو أرادت.. أفكار سخيفة بل مجنونة، بمعيار عصرنا الحديث، تجعلنا نسخر من عقلية وصل بها جهلها إلى هذا الحد، ورغم ذلك نجد من يرجع إلى تلك العادة المذمومة ليطبقها على العقل الانساني، بأن يخترع حزام عفة بمنطقه ومعاييره ليطبقها علينا، نحن المصريين، بأن يتحكم فيما نقرؤه أو نشاهده، بل فيما يمكن أن نطلع عليه من ثقافات أخرى، منكرا وسائل الإعلام الحديثة التى تجعل من العالم قرية صغيرة، تأتى لنا المعلومات من كل جهة لا تستطيع منعها تلك العقليات التي ما زالت تتصور أنها في عصور السيطرة الكبرى، حيث كان يمكن لأي سلطة أن تقرر ما يصل للشعوب من معلومات مادامت السلطة منبعها الوحيد ولا مرادف آخر لها!! 

مناسبة كلامى هذا هو إعلان أكثر من هيئة وآخرها المجلس القومى للترجمة أنه سوف يخضع قطاع الترجمة لمعايير أخلاقية ومجتمعية، طبعا لم يجهر بكلمة سياسية لأي كتب تترجم ولا تتوافق مع المعايير المصرية المتعارف عليها، والمتفق عليها بمفهوم عقليات القائمين على الإعلام والفكر فى المحروسة!

 السؤال هنا يطرح نفسه، هل يمكن اعتقال العقل ونحن في الألفية الثالثة؟ هل من الممكن السيطرة على منابع المعرفة، والفضاء الإلكترونى متوافر لكل من يعرف القراءة والكتابة؟ هل ممكن أن تتقدم الحياة بدون تصارع الأفكار واختلاف الثقافات وتعدد روافدها.. هل ممكن أن يتعرض العقل الجمعي لفكر واحد وعلم واحد ومصدر واحد للمعلومات والفكر؟ ألا يتكلس العقل ويضمحل الفكر وتنهار العقائد والأفكار إذا تجمدت فى عقل واحد.. كخلية وحيدة تتكاثر دون شريك، بالانقسام الذاتي فتتكور على نفسها وتشيخ وتموت، دون أن تضيف شيئا للحياة الإنسانية. 

وما تلك الموجة أو الظاهرة التى تؤيد وتشجع تأميم العلم والفكر وما نستطيع أن نعرفه وما ينكرونه علينا حتى نظل عبيدا لأفكارهم- بعد  احسانهم-!

مفكرون تحدثوا منذ قرون عن أفكار كأجنحة نطير بها فى الفضاء ولا يستطيع أي مخلوق أن يعوق انتشارها فى أذهان عباد الله، فيأتي إلينا فى عام 2020 البائس من يتصور أنه قادر على اعتقال عقولنا وتوجيهها لما يريد؟ سياسية كانت أو اجتماعية وفكرية.. عاقلة كانت أم مجنون.. ثم من يقرر ويقدر جنونها من تعقلها؟

هل هي مواءمتها للمنطق الإنسانى أو السائد الأخلاقي؟ ومن هي تلك الجهة أو الهيئة أو اللهو الخفي الذى يحدد لنا تلك المعايير التي سيتفقون عليها.. فى الحضر أم فى الريف.. في  الأوساط المتعلمة أو المنغلقة على ذاتها؟ السلفيون بمنطقهم المعوج فى العودة إلى زمن يتصورونه فى عقولهم عن السلف الصالح، أو الاخوان بمنطق التقية حتى يتمكنوا من استغلال  للشريعة وكتاب الله ليتوصلوا للتمكين السياسى وبعده يضعون كودهم الأخلاقى المخترع من عقولهم المريضة ليحددوا لنا نوعية الحياة التى نحياها، ونوع الزاد العقلى الذى نعيش من خلاله تصورهم الخاص عن السياسة والدين.

حزام عفة للعقل.. اخترعوه وزايدوا عليه، ربما لمصلحة لانعرفها وغاية مخطط لها حتى يسود الجهل، فيسهل التمكين وتتأصل السيطرة.. فالشعوب الجاهلة، كما قال بطلنا القومي المجاهد بعقله وماله محمد فريد "لا تستطيع المطالبة بحقوقها.. فظل المستعمر يؤصل مبدأ الجهل حتى يغرقوا فيه ولا يصرخ فيهم صوت مطالب بالحرية"!!

فهل عدنا إلى تلك الأيام الحزينة؟ لاحزام عفة للعقل.. فاطردوا من المواقع القيادية من يؤصل لتجهيل الشعب المصري ومصادرة منابع معرفته، مرة بدافع الحفاظ على الأخلاق، ومرة بدافع أننا لم نبلغ الحلم بعد، لنقرر مايفيدنا وما يضرنا، مع أنه معلوم أن الجهل أكثر خطورة من العلم، وإلا فلتسأل نفسك: لماذا استهدفت المكتبات فى كل العصور.. ولماذا حرم العامة من أسرار العلوم واقتصرت على الخاصة من الكهنة، حتى يظل منبع الأسرار مقصور عليهم ليتحكموا ويسيطروا وتظل شعوبهم أسيرة أفكار لا تخدم إلا حكامهم وفراعينهم!

لا أتصور أن نسمح لذلك المنهج أن يعود، بعد قرون من المطالبة بالحرية دفعت فيه أرواح وأجساد، لكى يظل للعقل حريته وحقهفى المعرفة يذود بها عن حريته ومستقبل أوطانه!
----------------------
بقلم: وفاء الشيشيني

مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة